الشخصية والإحباط
عرف علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر نشأة علم يسمى علم الشخصية يدرس فيه الإنسان، فمفهوم الشخصية في اللغة العربية يأتي من شخص يشخص تشخيصا.نقول: شخص الطبيب المرض أي بين وحدد المرض و هي الصفات أ والميزات التي يتصف بها المرض و غيرها من الأمراض. إذن التشخيص هنا:بمعنى التجسيد ،و نجدها أيضا هي اشتقاق من كلمة الشخوص بمعنى الظهور والتبدي أمام الآخر والشخص هو سواد العين أي إنسانا والشخص هو كل جسم له ارتفاع.
أما في الحقل المعجمي الفرنسي ، فإنه يلاحظ أن المعنى الإيتيمولوجي للكلمة يرتبط بكلمة persona اللاتينية ، التي تعني القناع الذي يضعه الممثل على وجهه حتى يتقمص الدور المسند له ويؤديه أمام ناظره، وبذلك لا يختلف معناها في العربية عنه في كثير من اللغات.
أما اصطلاحا فتعريف الشخصية مسألة افتراضية، إذ ليس هناك تعريف واحد فقط لكونه من أصعب الاصطلاحات فهماً وتفسيراً ، حيث نجد عدة تعريفات لها منها مثالا لا حصرا:
"الشخصية هي البناء الخاص بصفات الفرد وأنماط سلوكه الذي من شأنه أن يحدد لنا طريقته المتفردة في تكيفه مع بيئته"1
"الشخصية نمط سلوكي مركب ، ثابت ودائم إلى حد كبير ، يميز الفرد عن غيره من الناس ، ويتكون من تنظيم فريد لمجموعة من الوظائف والسمات والأجهزة المتفاعلة معا،والتي تضم القدرات العقلية ،والوجدان أو الانفعال ، والنزوع والإرادة ، وتركيب الجسم ، والوظائف الفيزيولوجية ، والتي تحدد طريقة الفرد الخاصة في الاستجابة ،وأسلوبه الفريد في التوافق للبيئة " 2
"الشخصية هي حاصل جمع كل الاستعدادات والميول والغرائز والواقع والقوى البيولوجية الموروثة وكذلك الصفات والميول المكتسبة "3
" الشخصية هي ذلك النظام الكامل من الميول والاستعدادات الجسمية و العقلية الثابتة نسبيا التي تعتبر مميزا خاصا للفرد وبمقتضاها يتحدد أسلوبه ا لخاص للتكيف مع البيئة المادية والاجتماعي" 4
"الشخصية هي التنظيم الديناميكي في نفس الفرد لتلك الاستعدادات الجسمية النفسية التي تحدد طريقته الخاصة للتكيف مع البيئة." 5
" الشخصية هي ما يمكننا أن نتنبأ بما يكون عليه سلوك الفرد في موقف ما"6
1: تعريف الدكتور أمين البخاري
2:الدكتور أحمد محمد عبد الخالق في كتابه : قياس الشخصية
3: تعريف مورثون
4:تعريف بيرت
5:تعريف بورت
6:تعريف كاتل
و على هذا الأساس فالشخصية هي المجموع الدينامي المنظم لخصائص الإنسان وصفاته الجسمية والعقلية و الانفعالية والاجتماعية التي تظهر في علاقاته و تميزه عن غيره وتحدد درجة تكيفه مع بيئته. وكذلك هي تلك الأنماط المستمرة والمتسقة نسبيا من الإدراك والتفكير والإحساس والسلوك والتي تبدو مجتمعة لتعطي الناس ذاتيتهم المميزة كما أنها تكوين اختزالي يتضمن الأفكار والدوافع والانفعالات والميول وغيرها. وعلى هذا الأساس فالشخصية هي مجمع الصفات المختلفة التي تميز بين الأفراد أو الكائنات حيث أن الشخصية لا تولد بين عشية وضحاها، فبناء نفس أو تكوين شخصية مهمة عظيمة الشأن ،إذ لابد من أن يبنيها الفرد على الاحترام والإجلال وأن يجعلها جديرة بالاهتمام مما يحفظ لها روعتها وحرمتها حتى نهاية العمر ، وان يضعها على الطريق الصحيح كي يجنبها الزلل والسقوط وأن يجعلها قوية، لا تستطيع ضربات الزمن أن تسلبه هذه النفس والنيل منها ، ذلك لأنها ملكه الوحيد الذي يستطيع تطويره وإضافة المزيد له ، فكل إنسان لديه طاقات وقدرات منها ما هو بارز ومنها ما هو دفين بداخله يحتاج لمثير كي يبرزه أو يخرجه للوجود ، ومنا من يستطيع اكتشاف هذه الطاقات بسهولة ولوحده وهناك من يجد صعوبة في العثور عليها وبحاجة لمن يمد له يد العون ، ومنا من بداخله بركان خامد لا تستطيع معرفة متى سينفجر ،فالحياة درب طويل تتخلله عدة عقبات يجد الإنسان خلالها نفسه يئن تحت وطأة ضغوط نفسية تحرمه الراحة ، كسماع كلمة جارحة أو نقد في غير مكانه ، أو سوء فهم موقفه ، أو طعنة من الخلف ، أو تخاذل قريب أو صديق في وقت محنة، أو إخفاق في تحقيق هدف ،أو مشكله تعكر النفس وتثير الضيق والحزن، أو مناوشات بالطريق أو اختلافات في العمل ثم مشاحنات أسرية. أو غيرها من المواقف أو الأحداث اليومية المؤلمة والمؤثرة فيفتح باب الألم والحزن و الهم و الإحباط على مصراعيه كي يتمكن منه ، فيجد الإنسان نفسه محاصرا من كل الجهات والجبهات ،فيصاب بالإحباط الذي يعتبر من أخطر المشاكل التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية. فهو يؤثر تأثيرا سلبيا علي سلوكياته ويعوق تقدمه في مسيرة حياته, و والإحباط حالة شعورية تطرأ علي الشخص حين يتعرض لضغوطات اجتماعية أو نفسية لا يستطيع مواجهتها؛ فتؤدي إلى التوتر ثم الاستسلام والشعور بالعجز، . .. كل ذلك يدفع به إلى الانطواء والرغبة في الانزواء، في هذه اللحظة لابد أن يقف مع نفسه ويسائل ذاته:
ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟
هل الأمر يستحق كل هذا العناء؟!
ما قيمتي كإنسان إذا سمحت لهذه المؤثرات والزوبعات والعواصف أن تحطمني ،و تسحق كبريائي وكياني !!
حينها لابد أن يبحث عن عزيمته ، وإرادته ،وقوته الدفينة والكمينة في أعماقه ، ليجعل من توافه الحياة أسبابا لنجاحه ويعمل على تحسين الأسوأ الذي حدث له ، فلن يعرف معنى السعادة دون أن يتجرع كأس المرارة ،و لن يشعر بفرح النجاح دون أن يجرب الفشل ،و لن ينعم بالراحة دون أن يعرف معنى الألم ، عليه أن ينادي كل ذرة من كيانه كي يخرج قوته وصلابته ليتحدى الهزيمة ، ويجمع شتات نفسه ويعلن أنه وحده القادر على التحكم بالمسار الذي يمشي فيه بعد إرادة الله و في طريقة تفاعله وتفكيره مع ما حدث بالفعل ، وأن يبدأ المعركة مع الحياة من جديد بتغيير أسلوب تفكيره وطريقة تعامله وتفاعله مع الأحداث ، واضعا نصب عينيه الانتصار وعدم الاستسلام للهزيمة وللمشاعر الدونية والتافهة ،ملقيا بالآلام والقلق والأحزان وراء ظهره ،فمفتاح النجاح هو أن يركز فكره على الأشياء التي يتمناه لا تلك التي يخشاها ، كما انه لابد للإنسان أن يترك بصمته في هذه الحياة ويتسلح بالأمل والطموح لبلوغ ما يتمناه من خير وفلاح ،
ونستحضر هنا قول الإمام الشافعي :
ولا حزن يدوم ولا سرور ولا بِؤس عليك ولا رضاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت ساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضا ضاق الفضاء
ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وفي هذا المجال نجد عدة طرق للتغلب على هذا الشعور الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب والشعور بالإحباط ننصح بالآتي:
1 ـ إتباع طريقة التنفيس أو التهدئة الذاتية .
2 ـ تفريغ المشاكل بالفضفضة .
3 ـ البكاء إذا أحس الإنسان بالرغبة في ذلك .
4 ـ الخروج إلى الأماكن العامة المفتوحة.
5 ـ تدريب النفس على استيعاب المشاكل اليومية.
6- استرجاع التجارب المشابهة التي مر بها وتغلب عليها .
7 - الثقة في قدرته على تخطي الأزمة.
8 ـ تبسيط الضغوط النفسية، والثقة بأن أي مشكلة لها ألف حل .
9 ـ ممارسة الهوايات والرياضة خاصة المشي ؛
10 ـ ترك التفكير في مشاكله ومحاولة الانشغال بمشاكل الآخرين و مساعدتهم وإسعادهم.أو حضور دورة تكوينية أو تدريبية.
11 ـ تذكر أن دوام الحال من المحال والثقة بأن الوقت كفيل بإنهاء هذه الأزمة .
12 ـ الاهتمام بالغذاء، والحرص على تناول البروتينات الحيوانية والنباتية وعسل النحل والقرفة، لأن ما تحتويه هذه الأغذية من أحماض أمينية يعتبر مضادات طبيعية للإحباط. .
13- البحث عن الحب عن العائلة عن الصداقة .
14- إنجاز عمل مهم واحد على ألأقل كل يوم "ما لم تبذأ اليوم لن يكتمل الغذ"7.
15- تذكر أن مفتاح أي سعادة في الدنيا أولا وأخيرا حب ورضا الله سبحانه و تعالى والتقرب إليه بالصلاة والدعاء وكثرة الاستغفار لأنه من أحبَّ الله , رأى كُلَّ شيءٍ جَميلا !.. .
فالعمل بتقنية الإنجاز مهما كان صغيرا سيحقق مكاسب عدة ، ومع نشوة النجاح وتحقيق الأهداف ستصبح تلك التقنية أمراً بالغ الجاذبية ،فتنقلب الحياة إلى مصنع للعمل, لذا لا بد من إيجاد آلية مناسبة لخلق توازن من شأنه استدامة العمل , والارتقاء بالإمكانات ،فالعمل والإنجاز هما اللذان سيطردان الإحساس بالجمود و التقهقر.
7 : جوته
كما أن للأسباب الإيجابية من ثقة في النفس وتشجيع وتحفيز واعتراف بالفرد والظروف المناسبة وغيرها من الإيجابيات تساعد على تكوين شخصية قوية متزنة .
ختاما يقال :حياة بلا هدف كسفينة بلا دفة كلاهما ينتهي به الأمر على الصخور ..
أم الزهراء شيماء
15/05/2012